تصالحوا يرحمكم الله (وسع صدرك يا مواطن)

استبد بنا جميعاً خلال الايام السابقة حالة من الإستقطاب الشديدة والمحمومة 
ولعلها ليست هي حالة الإستقطاب الحميدة التي دعوت لها مسبقاً في مقالي "إستقطبوا يرحمكم الله" والتي يعد هذا المقال تكملة لها
وإنما كانت حالة من الإستقطاب العدائي 
إستقطاب الهدف منه خلق حالة من العدائية نحو الطرف الأخر
إستقطاب يهدف إلى الفرقه لا التجمع
أسفرت جولة الإعادة إذن عن 
محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين او مرشح الثورة أو المرشح الغير عسكري أو كما تحب أن تسميه
و أحمد شفيق مرشح النظام السابق أو مرشح العسكري أو المرشح المدني (ليس الإسلامي) أو كما تحب أن تسمية
وبدأت حملات كلاً من المرشحين في إستخدام الإسلوب المصري المعرف في المعاملة مع الخصم وهو إسلوب إظهار عيوبه وتضخيمها بدلاً من إظهار مميزات المرشح الذي يدعمه
ومن هنا بدأ السباق المحموم
ده فلول 
لا ده إخوان
دول باعوا دم الشهدا
دول اللي قتلوا الشهدا
ده عميل لإسرائيل
ده متمول من قطر
ده ضد الدين 
ده ضد الحريات
ده ضد مدنية الدولة 
ده هيعسكر الدولة 
وده هيخليها إيران
إسرائيل هتحتل مصر
البنات هتلبس النقاب
الثوار هيتسحلوا في الشوارع 
و....و......و.....و....و
حالة من الإستقطاب البغيض عل كل أشكالة وأنواعه وطغت عليه بطبيعة الحال الصبغة الدينية لكون أحد المرشحين إسلامياً
وتعالت نبرة الكراهية 
وبدأت أبواق الإعلام  تصدح بكل ما هو كريه كلاً تبعا لقناعاته وايدولوجيته وفقدت الكثير والكثير من الحوارات للموضوعية أو الحيادية أو حتى العقلانية في الإتهامات
فتارة يصوروا لنا الإخوان كالمارد الذي سينقض على المدينة ليأتي على الأخضر واليابس وكأننا فريسة سهلة ومسالمة لا حول لها ولا قوة
وتارة يصوروا لنا شفيق كأحد أفراد الجاستابو (البوليس السري الألماني إبان الحرب العالمية الثانية وإشتهر بعمليات التعذيب الوحشية والتنكيل بالمعارضين) والذي أتى لبنهي على كل من يجرؤ على فتح فمه المعارض في وجه النظام وكأننا لم نخلع طاغية منذ شهور قليلة
صارت الإشاعة هي عنوان الحوار والمبالغة هي سياقه و الغش والتدليس والكذب هو مفرداته والمستحيل هو منطقه الذي لا يقبل المناقشه
وللأسف أكاد أقول أنهم نجحوا في خطتهم الإستقطابية 
فقد انجرفت أغلب جموع الشعب المصري نحو فكرة الدعم الأعمى لطرف  والكيل بالإتهامات الباطلة للطرف الأخر
حتى صارت المواصلات والمقاهي وأماكن التجمعات إنما هي قطعة من الجحيم لمن يفكر بطريقة وسطية بعيدة عن التطرف
وحمل كل مواطن على عاتقه مسئولية تلميع مرشحه وإظهارة في صورة ملائكية خارقة -نحن جميعاً نعلم جيداً أنه لا يملكها- بطريقة تبتعد عن الموضوعية أو المنطق وتحولت الأمور إلى أمور شخصية بحته فالهدف فقط أن أنتصر لوجهة نظري لا أن استمع لوجهة النظر المعارضه وأناقشها ,ادلل عليها أو أنتبه إليها إذا كانت بالفعل تمثل نقطة ضعف في المرشح الذي أدعمه
ولم ينتهي الأمر فقط عن دعم اثنين من المرشحين
إذ أن الموقف السئ الذي أفضت إليه الجولة الأولى والذي لم يكن يرضي الكثير من أبناء الثورة وأنصار الدولة المدنية فظهر عندنا تيار ثالث وهو تيار "مقاطعون" أو "مبطلون" ولعله كان التيار الأكثر شراسة في تلك العملية الإستقطابية لأنه كان ناقم على الوضع ككل وكان ينظر للمصوتين نظرة دونية او متعالية ويكيل لهم الإتهام تلو الأخر من الغباء للخيانه للتلون وحدث ولا حرج


نظرية الرئيس الملاك
في إحدى جلسات المناقشة بيني وبين أصدقائي كانوا يتحدثون وقتها عن مواصفات الرئيس القادم
فسالتهم  (هل بالفعل نحن نريد رئيس لا يكذب؟) وكنت بالفعل أعني سؤالي هذا 
ولعلني نبهتهم بسؤالي هذا لعدم منطقية وعملية فكرة الرئيس الملاك الذي سيتعامل بشفافية وصراحه مع كل الأطراف
وبدأت أسوق بعض الأمثلة
مثلاً هل من المفترض أن يخرج علينا الرئيس الجديد وهو بعد لم يستقر في كرسي الحكم ليبدأ في إستعداء مؤسسات الدولة التي نعلم كلنا علم اليقين أن الفساد مستشري بها حتى النخاع ؟؟!!!
هل إذا خرج الرئيس في أول يوم له وقال أن جهاز الشرطة فاسد وسنقوم بتطهيرة عن بكرة أبيه ...هل نتوقع أن يتعاون معه جهاز الشرطة بعدها؟؟ أو أن يستسلم لهذا التطهير ؟وغذا أراد شرفاء الشرطة معاونته هل سيسمح له احد وقتها؟
هل إذا بدأ في الحديث عن محاسبة المجلس العسكري عن سوء إدارته للمرحلة الإنتقالية وأهدارة لدماء وأموال المصريين
هل سيستمر في الحكم ليوم واحد بعدها؟؟
هل سننعم نحن بأي نوع من الأمن أو الأمان إذا بدأ الرئيس فترته الرئاسية بالتصادم مع كافة مؤسسات الدولة (التي لا ننكر فسادها الساطع كسطوع الشمس) والتي من المفترض أن يسيطر عليها لكي تعلن ولاءها له وإنصياعها لأوامرة فعلياً وليس صورياً
هل الحل في التصادم؟ وإذا كانت الإجابة بنعم؟ هل يملك الرئيس القادم (اياً كان) القوة الكافية للتصادم من أول يوم سواء مع الشعب أو مع مؤسسات الدولة؟ وما نتيجة التصادم دون أن نملك القوة الكافية والداعمة لهذا التصادم؟

هل التصادم غاية أم وسيلة بشكل عام؟ بمعنى هل نتصادم مع الفساد تصادم مطلق أم أنه تصادم بهدف تطهيره؟
هل تذكرون مقطع أوبريت الحلم العربي (محتاج العدل القوة علشان تقدر تحميه)
القوة إذن معيار مهم من معايير إختيار التصادم والذي يجب أن نضعه كحل أخير لأنه حتى وبإمتلاكنا القوة اللازمة له لابد وأن ينتج عنه خسائر قد لا نستطيع السيطرة عليها طوال الوقت
الحل إذن ليس في التصادم بل في إكتساب ارضية لدى كل المؤسسات والحصول على قوة الرئيس وصلاحياته بشكل تدريجي إلى أن تكتمل لديه هذه القوة فنصبح امام إحدى سيناريوهين وقتها 
إما أن الأمور قد إستقامت وإستقرت الدولة وإنحسر فيها الفساد وخضعت لإدارتها الجديدة التي وإن صلحت فقد تغير من أداء تلك المؤسسات حتى وهي تحوي نفس العناصر المفسده لأن الأمر يختلف حين أفسد وانا مطمئن لحماية من فوقي عن أن أفسد وانا معرض للعقوبة طوال الوقت

أو أننا مستعدون لمجابهة هذا الفساد والتصدي له ولدينا القوة أن نتصادم معه دون حدوث خسائر فادحه
لكي يتسنى لنا هذا فالأمر يحتاج إلى كثير من الذكاء والمكر والخديعة و للأسف ....للكذب
ولكننا هنا نتحدث عن كذب يختلف عما كانت تمارسه علينا حكوماتنا السابقه
نتحدث عن كذب يشبه كذب السادات قبل حرب أكتوبر أو ذلك الذي إستخدمه عبد الناصر للتمويه على خطته في تأميم قناة السويس
نتحدث عن كذب يصب في مصلحة الشعب لا كذب المصالح الشخصية ومؤامرات الإستيلاء على الحكم المطلق 
نتحدث عن كذب يستخدم في معركة سياسية ضد دولة تعسكرت وإستشرى فيها الفساد من اقصاها إلى أقصاها حتى بات إنتزاعه كإنتزاع جذور شجرة كافور عمرها أكثر من مائة عام
نحن نتجدث عن معركة سيخوضها الرئيس القادم ضد الساد...معركة تصبح المصارحة فيها كمن يخبر عدوه بموعد هجومه كي لا يفاجئه
عن الحنكة السياسية أتحدث 
الحنكة التي تستخدم لمصلحة الوطن  لا للمصالح الشخصية والتربح

التأييد المطلق والنقد المطلق
وهو السبب الرئيسي والخطأ الأكبر الذي يسوق الناس إلى حالة الإستقطاب العدائي الذي تحدثنا عنه
عندما يبدأ الناس في تأييد رأي أو فكرة أو شخص تأييداً مطلقاً متناسين عيوبه وغاضين الطرف عن أخطائه
في الفترة السابقة كان لدينا ثلاثة أنواع من الناخبين
النوع الأول :يصوت لمرسي لأنه يخاف من شفيق
النوع الثاني يصوت لشفيق لأنه يخشى مرسي
وكلاهما تصويت عقابي

النوع الثالث يصوت لشفيق أو لمرسي لأنه مقتنع بإحداهما


ومن هذا النوع الأخير تنبع كل الخطورة إذ يأبى هذا النوع أن يعترف بنقاط الضعف أو المشاكل التي قد تنتج عن إختياره لمرشحه
حتى أن حديثه يصبح خليط من التناقض وعدم الموضوعية والكذب أحياناً
مما يساهم في زيادة حالة العداء فعيوب كل طرف ظاهرة وجليه ويستخدمها كل طرف في إنتقاد الأخر الذي بدلاً من ان يقوم بتحليل كيفية تلافي هذه الأخطاء أو العيوب
 لا يلبث إلا أن يبدأ في إنكارها ونفيها بما يخالف مايراه الناس جميعاً رأي العين



ليس هذا فقط بل ويبدأ في أن يكيل للطرف الأخر سيل من الإتهامات والإنتقادات الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان
فينتهي بنا الأمر إلى مشهد عبثي يتحول فيه المعارض الموضوعي إلى مدافع عن من يعارضه من وطأة الظلم الواقع عليه
وتجده على جبهة أخرى يستنكر أفاعلاً تصدر من مؤيدي نفس المرشح الذي يؤيده لأنهم يحاولون أن يصنعوا منه إله فوق النقد ويكسبوه مهارات هو لا يملكها أو على الأقل لا يوجد دلائل على وجودها
فتضيع كل هذه الجهود هباء لأنه في الأساس يتحدث مع ناس لا تتحدث بالمنطق العقلاني ويزداد المشهد عبثاً



وسع صدرك يا مواطن
أما الأن فقد إنتهت كل هذه المعارك ونحمد الله اننا قد إنتهينا من هذا المشهد العبثي والهزلي (لا سامح الله من أوصلنا إليه) ولكن أثار المعركة مازالت حولنا في كل مكان
تجدها في نفوسنا جميعاً ظاهرة جلية في حالة الإنقسام التي وصل اليها المصريون
اساء بعضنا إلى بعض بقصد أو بدون قصد
وصل الأمر الى السباب والشتائم وأحياناً الإشتباك بالأيدي
ووصلنا أحياناً إلى القطيعه
حولنا المعركه إلى أمر شخصي بحت نأخذ نتيجته على كرامتنا
حالة من الخراب النفسي والإجتماعي خلفتها معركة إنتخابية لم يراعي مديريها أي قيمة للأخلاق والقيم والعلاقات الإنسانية وكوننا كلنا نعيش تحت سماء وطن واحد حتى انك كنت تسمع أحدهم يقول "إذا جاء فلان سيفعل بكم كذا وكذا....." فتتعجب هل سيفعل بنا وحدنا ام انك تعيش في وطن أخر ...مالذي أتى بك إلى هنا إذن ؟؟؟
ومن قال لك أننا مفعول به؟

نحن نعيش على هذا الوطن فاعل لا مفعول به


وما زاد الأمر سوء حالة الشماته الشديدة التي لا أدري من أين جاء بعضهم بهذا القدر من الكراهية في صدره لكي يصبها على من حوله ممن يعارضونه في الرأي
رأينا هذه الحالة بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم عزل الفريق أحمد شفيق وبقاؤه في سباق الرئاسة
ورأيناها أيضا من بعض مؤيدي الرئيس المنتخب محمد مرسي بعد أن أعلن فوزه بسباق الرئاسة
أما الأن فقد إنتهى الأمر
فاز من فاز وخسر من خسر
وبقي لنا وطن يئن من جراحه
بقي لنا وطن برئيس لم ينتخبه 48% من الشعب لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات
وأيده 52% بأصوات نصفها ما كانت لتذهب إليه لولا الوضع الحرج الذي أوضعتنا فيه جولة الإعاده
بقي لنا وطن بلا دستور وبمجلس شعب منحل
بقي لنا وطن بمؤسسات مهلهلة يضربها الفساد في كل نواحيها
ومؤسسة عسكرية تسعى كل السعي لكي تحافظ على فرض سطوتها وقوتها على البلاد وألا ينسحب البساط من تحت أقدامها
ليس أمامنا الأن سوى أن نضمد جراحنا ويستوعب بعضنا البعض
فمشاكلنا ترتقي فوق إختلاف الأيدلوجيات والإتجاهات الفكرية
فمشاكلنا واضحه وصريحه لا تحتاج الى أيدلوجيات فكرية
مشاكلنا إحتياجات إنسانية أساسية
من أكل وشرب وتعليم وصحه
عيش حرية عدالة إجتماعية 
هكذا طالبنا في ثورتنا وهي مطالب لا تختلف عليها الايدلوجيات

حينما نتجاوز هذه المطالب ونحققها يمكننا أن نبدأ في التحدث عن الخلافات الفكرية
أما الأن فدعونا نرحم بعضنا البعض والأهم أن نرحم ذلك المواطن الفقير البسيط الذي لايفهم كيف ستطعمه الليبرالية أو ما هي سبل علاجه بالإشتراكية وما هي أضرار الديماجوجية
دعونا نقف جنباً إلى جنب كجبهة معارضه قوية للفساد والإنفراد بالسلطة
دعونا نشكل جبهة دفاع وطنية نحافظ بها على هوية دولتنا
إبتسم في وجه أخيك وأبحثوا عن الأرض المشتركه
هل ضاقت علينا مصر بما رحبت
ألا يسع بعضنا بعض الأن؟
ألا يستطيع 80 مليون مصري أن يعيشوا سوياً على مليون كيلومتر مربع؟؟؟!!
ألا تستطيع دولة يدين أكثر من 99% من مواطنيها بالديانات السماوية (الإسلامية والمسيحية) ويتحدثون لغة واحدة ويعيشون نفس المشاكل بشكل يومي أن يجدوا أرضاً مشتركة يقفون عليها جميعا ؟؟ كان الله في عون الهند والصين إذن
هل سنعجز في أن نزيل أثار دمار تلك الحرب النفسية التي إستنفذت قوانا جميعاً
خلاصة القول فيما سبق
إذهب إلى أي من أصدقائك او معارفك أو أي شخص قد تكون قد أسأت إليه في الأيام الأيام السابقة وتودد إليه في الحديث
إبتسم في وأزل تلك الكراهية البغيضة التي خلفتها في نفسه من أسلوبك معه الذي لم يقنعه بأن يقتنع بوجهة نظرك ولا حتى بأن يحاول أن يستمع إليك مرة أخرى
إذهب إليه وأبحثوا عن نقطة تلاق
ستجدها حتماً إن بحثت عنها
أنشروا حالة من المصالحة والمسامحة بين الناس
فما أشد حاجتنا لأن نتصالح الأن مع أنفسنا ومع الأخر
إذهب إليه
وتصالحوا يرحمكم الله

هناك تعليقان (2):

  1. ماشاءالله يا محمد مقال رائع, جزاك الله خيرا" , وأسأل الله أن يجعلنى وإياكم ممن قال الله فيهم* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ *.
    - مصر وطننا .. أمة واحدة .. لا عدائية .. لنحيا كراما"
    - دعوة للتآلف .. دعوة للتوحد .. دعوة لنهضة مصر.

    ردحذف
  2. شكراً يا شعبان
    سعيد جداً أنه أعجبك
    أرجو نشر النشر :)

    ردحذف