يوميات المتظاهر الصغير الجزء السادس



وسط البلد مكان في مصر فقد كثير من رونقه بعد ما طلع عندنا حاجة اسمها سيتي ستارز
وتحول وسط البلد ده من محور تجاري وثقافي و إجتماعي من الدرجة الأولى 
الى مكان بيشتري منه الناس البيئه حتى لو كنت نازل تشتري هدومك من
Guy Laroche او Dalydress
يقولك برضه بيئة
بيئة ايه ياد يا........ انت عارف ده بكام
ياللا ياد من هنا ياد متكملش قراءة
ويمكن ده بيعكس الحالة الإستهلاكية اللي وصلنا ليها حيث أن سيتي ستارز هو مكان إستهلاكي بحت بإستثناء وجود سينما و فرع لمكتبة الشروق للتعبير عن الحركة الثقافية
لو جيت قدام أي حد كده من الجيل السابق و قلت له وسط البلد هتلاقي سيل من التنهيدات الحارة و مصمصة الشفايف ومتفهمش ليه؟ صراحة انا ماكنتش فاهم قوي زيي زي بقيت جيلي ايه هي يعني وسط البلد؟؟
لحد ما اتهفيت في نافوخي مرة كده و بدأت أقرأ في التاريخ شوية و عن مصر فترة ما قبل الثورة (ثورة 1952 بما اننا بقينا جامدين وعاملين ثورتين لحد دلوقتي) و تاريخ الأسرة العلوية
و ما قرأته و سمعته من وصف لمصر خلال الفترة دي (ولو لا قدر الله بتحب تقرا يعني برشحلك كتاب "مما جرى في بر مصر" للكاتب يوسف الشريف) 
بدأت أفهم يعني ايه وسط البلد
و يعني ايه ميادين وسط البلد و مقاهيها 
وسط البلد ليست مكان تتمشى  فيه و تعمل شوبنج
وسط البلد منطقة تحتاج لأن تعرف إسم وتاريخ كل شارع و ميدان بها لتشعر بجمالها 
فلما تعرف ميدان طلعت حرب و شارع سليمان باشا و مين الناس دي و ليه اتسمت الميادين دي بأساميهم
و لما تعرف ان شارع 26 يوليو كان اسمه شارع فؤاد الأول و تحول بعد كده الى شارع 26 يوليو وهو تاريخ تنازل الملك فاروق عن العرش لابنه احمد فؤاد وهو تاريخ تأميم قناة السويس
ولما تعرف ان كافيه ريش و الموجود بالقرب من ميدان طلعت حرب كان مبني من سنة 1908 وكان ليه دور أساسي في ثورة 1919 لدرجة انهم وجدوا فيه ألة لطبع المنشورات
أو جروبي المطعم الذي يرجع تاريخ انشاؤه الى ثمانينيات القرن التاسع عشر والذي كان شاهدا و موردا رئيسيا لأرقى حفلات الطبقة الراقية بمصر الملكية 
لما تعرف ان وسط البلد بناها الخديو إسماعيل أيام ما سمي بالقاهرة الخديوية  
و لما تعرف ان شوارع وسط البلد كانت من أرقى المناطق من حيث التخطيط العمراني و ان شوارعها و ميادينها كان بيتم إضاءتها قبل ما النور يدخل شوارع باريس
تمثال ابراهيم باشا وما هو مكتوب عليه من معارك خاضها وانتصر فيها
حي الأزبكية (شارع الهرم بتاع زمان) 
لما تعرف الكلام ده كله هتفهم الناس دي بتمصمص شفايفها ليه
من الحسرة  
الناس دي بتمصمص شفايفها من الحسرة على مصر و جمالها بعد ما مبقاش عندنا بلد ينفع يتعملها وسط
انا عارف ان وسط البلد بقى كلها تراب وزبالة لكن جرب كده تمشي في الشوارع و تتفرج على منظر المباني و العمارات في وسط البلد
اتفرج على جمال الفن و المعمار
واتفرج على التيجان و النقوش اللي كانت بتزين كل عمارة
تخيل العمارات دي و الشوارع دي و هي متنضفه و مغسولة كده؟
ايه رأيك؟
المكان ده عمره مش 50 ولا 60 سنه
المكان ده عمره أكتر من 200 سنه
كل شبر في وسط البلد ممكن تكتب عنه تاريخ
و التاريخ اللي هتكتبه هيشهد في كل كلمة على عظمة مصر وجمالها زمان
مصمصت شفايفك ولا لسه؟
لو مشيت في وسط البلد و دخلت شارع عبد الخالق ثروت و بالمناسبة عبد الخالق باشا ثروت ده كان رئيس وزراء مصر في عهد الملك فؤاد الأول وهو اللي انشأ وزارة الخارجية و اسس لجنة لإعداد دستور سنة 1923 (مش بقولك كل شارع تاريخ)
وانت داخل الشارع ده هتلاقي على ايدك الشمال كده في اوله نقابة الصحفيين
وسلالم نقابة الصحفيين دي ياما شافت اعتصامات و احتجاجات
كنت متعود أعدي من المنطقة دي في فترة عملي في وسط البلد من 2005 الى 2007 
وكتير قوي كنت بصطدم بأن فيه مظاهرات في نقابة الصحفيين
و المظاهرات دي كانت بتبقى نوعين
يا اما مظاهرات بسيطه فيبقوا محوطينهم كده حوالي 5000 عسكري أمن مركزي و فاتحين الشارع تعدي فيه عادي
أو مظاهرات جامده (60 متظاهر ولا حاجة) فبيبقوا قافلين الشارع خالص من أوله عليهم لحسن الناس تشوفهم و يحسوا انهم كتير ولا حاجة
ومكانتش المظاهرات بتبقى فقط و حصرياَ في نقابة الصحفيين
لكن كان بيشترك معاهم دايماً نقابة المحامين
ناس مجانين صحيح
مجانين بس محترمين
وانا مش فاهم لحد دلوقتي ليه دول كانوا اكتر نقابتين فيهم مظاهرات و إعتراضات كتير
في الوقت ده مكانش بيبقى ف دماغي قوي بصراحة بس منكرش اني كنت معجب بشجاعتهم
وان كنت ماكنتش عارف أو فاهم هما عاوزين ايه
لكن لما الموضوع زاد قوي في الفترة بتاعة التعديلات الدستورية في 2005 قلت لأ لازم أفهم بأه
و بدأت أقرأ في الدستور و التعديلات الدستورية
و كان رد فعلي زي أي واحد قرأ التعديلات دي 
قلت "أه يا ولاد ال,,,,,,,,,,,," و معملتش أي حاجة
وده يختلف عن اللي بيقرأ التعديلات دلوقتي و بيقول "أه يا ولاد ال,,,,,,,,,,,,"  وينزل التحرير مثلاً او يعمل أي حاجة
بصراحة زاد تعاطفي مع الناس اللي في نقابة الصحفيين دول و قررت اني أعمل حاجة فبقيت كل ما أعدي قدام النقابة و في مظاهرات أقوم فاتح شباك العربية و أقول للأمن "أه يا ولاد ال........" بس لازم أبقى متأكد ان الشارع فاضي عشان أطلع أجري بعدها
لكن وسط البلد يوم 26 يناير كانت مختلفة وانا كمان كنت مختلف
فبعد رجوعي لبيتي يوم 25 يناير وأول مادخلت و فتحت التليفزيون لقيت منظر الميدان غير ما تركته من نص ساعة بالضبط
فوجئت بأن الشرطة قررت انها تخلي الميدان أيا كانت الطريقة و أيا كانت مشروعية طلبات هؤلاء المتظاهرين و بغض النظر عن ان محدش عبرهم ولا طلع يرد عليهم بكلمة واحدة
ظهر في الوقت ده الوجه القبيح للشرطة المصرية
قنابل مسيلة للدمع
رصاص مطاطي 
إعتقالات عشوائية
شباب جامعي و صحفيين ومثقفين
يطاردون كالخارجين عن القانون في الشوارع و يختبئون في مداخل العمارات 
يسحلون و يضربون و يشتمون بأفظع و أقبح الشتائم 
واكتر حاجة خلتني أحس باللموضوع أوي هي اني كنت موجود معاهم في نفس المكان من نص ساعة بس
شفتهم واتكلمت معاهم وعارف بشكل عام مين الناس اللي بتضرب دلوقتي دي
و في رأيي الضباط اللي كنا بنتعامل معاهم الصبح دول مستحيل يكونوا هما هما اللي ضربوا بالليل 
وإلا يبقى أكيد الناس دي عندها شيزوفرنيا و محتاجين علاج
فوجئت ان نفس المكان اللي انا كنت لسه واقف فيه تحول لساحة حرب
وطبعا طلعت النغمة المعتادة بتاعة المندسين و الإخوان و الأيادي الخفية و الأصابع القذرة و سمعني سلام يا برادعي ما تخف عليا
بس المره دي مكانش ينفع أصدق بقى
ماهو مينفعش!!!
كل المزز دي كانت إخوان ؟؟؟انتوا بتستعبطوا؟؟؟!!!
مُزز يانهار اسود ...هما ضربوا في البنات؟؟؟!!!!
بقيت قاعد قدام التلفزيون مبحلق و فاتح بقي وانا مش عارف أعمل ايه!!!
كنت مستفز الى أبعد الحدود
و أنك تلاقي مسئول بيقول أي حاجة ....مفيش
او ان لقيت حد، تلاقيه بيقول كلام أكثر إستفزازاً
طيب بإفتراض ان فيه اصابع مش عارف ايه و مندسين و الكلام ده
بالنسبة للناس اللي كانت غاسله صوابعها و نزلت الصبح مطالبهم أخبارها ايه؟
محدش بيتكلم عن الموضوع ده خالص بقى
كنت في شدة حالات الذهول والإكتئاب ولكن كنت قررت اني اكمل إيماناً مني ان دي كانت بداية لشئ لازم يستمر
وكان كل خوفي ان إجهاض المظاهرات بالأسلوب الوحشي ده في أول يوم يؤدي لإنتهاء الإحتجاجات و المظاهرات
وإن كان جالي أمل لأنهم مدام إختاروا انهم يستخدموا أسلوب القمع يبقى ده هيولد المزيد من الإحتجاجات
و مش عارف ازاي المعادلة دي مش واصلة للقائمين على الأمن في مصر
المهم نمت لأني كنت حريص اني أروح شغلي تاني يوم في معادي من منطلق ان ممارسة الحقوق السياسية لا يعطل من سير العمل وعشان محدش من المعارضين لفكرة المظاهرات يقول "ماحنا لو ركزنا في شغلنا البلد هتبقى أحسن " والكلام ده اللي انا مؤمن بيه بس ده لا ينفي حقي في الإحتجاج على وضع انا مش قابله
تاني يوم في الشغل طبعاً لا صوت يعلو فوق صوت السياسة
و بصفتي واحد من أقلية في شركتنا العزيزة من الناس اللي كانت مؤمنه بالمظاهرات و كنت بعلن عن موقفي و الناس كانت عارفة اني نازل
فحسيت في اليوم ده ان مكتبي تحول الى حاجة كده شبه برنامج "منبر الجزيرة"
كل واحد يدخل الشركة و يتجه الى مكتبي
اللي يسلم عليا و يقوللي طب و بعدين 
و اللي يقوللي ايه اللي بتعملوه ده
واللي يقوللي احكيلي بقى ايه اللي حصل و كان فيه إخوان ولا لأ
وانا مكدبش عليكم عشت في دور قائد مجلس قيادة الثورة و هات يا حكاوي و هات يا أراء ووجهات نظر 
بس من أكتر المواقف اللي شدتني كانوا موقفين
واحد منهم لأحد زملائي في العمل اللي فضل يتريق عليا طول الفترة اللي قبل المظاهرات و يقوللي "انت لو ضابط أمن دولة مسكك هتعيط ولو قلع ساعته بس (في إشارة لأنه هيضرب) هتطلع تجري"
"و انتوا مش هتعرفوا تعملوا حاجة" 
"انتوا هتبقوا كلكم كام يعني؟؟؟"
"و شوية عيال من بتوع بابي و مامي بتوع الفيس بوك" 
ملحوظة :صاحبي ده صعيدي 
و هات يا تريقة من اللي قلبك يحبها
زميلي لقيته دخل عليا المكتب في اليوم ده و قال لي قدام الناس "بص يا عم أنا أسف ....وانتوا رجالة"
وطبعا أنا قاعد نافش ريشي لما الكرسي مكانش مكفيني  مناخيري كانت خابطه في السقف
الموقف التاني كان موقف أحد أصدقائي اللي دارت ما بيني و مابينه مناقشة حامية حول جدوى هذه المظاهرات
و المناقشة دي كانت مختلفة في انها كانت مناقشة بنائة
هو مكانش يعرف اني نازل و هو كان ضد النزول في اليوم ده وكان شايف ان مالوش لازمة 
لأن في الأخر الناس دي مالهاش قائد
و مادام مفيش قائد يبقى الموضوع هيبقى فوضى
لكن الغريب ان ده محصلش
وانا عندي تبرير لده
رأي صديقي كان بيقول ان الدنيا هتبقى فوضى لأن كل واحد ليه رأي وكل واحد ليه طلب مختلف
وده كلام حقيقي
الناس كلها كان كل واحد بيفكر في إتجاه لكن كلنا كنا شايفين ان تحقيق المطالب دي هيجي بالتخلص من النظام
عشان كده لما قلنا "الشعب يريد إسقاط النظام" الأغلبية كانت موافقة
في بقى اللي عاوز يسقط النظام عشان يشتغل
وفي اللي عاوز يسقط النظام عشان يتجوز
وفي اللي عاوز يسقط النظام عشان زهقان من الشرطة
وفي اللي من الإخوان المسلمين و تعب من الجرجرة في أمن الدولة
لكن في الأخر كله شايف ان ده يتحقق بإسقاط النظام
بالعكس انا كنت مختلف مع صديقي في فكرة وجود قائد لأن وجود القائد معناه سهولة القضاء عليه و بالتالي إجهاض الأمر كله
سبب من أسباب نجاح مظاهرات 25 يناير و الثورة كلها بعد كده عدم وجود قائد يمكن السيطرة عليه أو التفاوض معه لإنهاء الأمر وكذلك عدم إنتماء معظم المشاركين فيها لحركة سياسية أو تيار معين
اللي نازل كان نازل عشان مضايق 
تعبان 
زهقان 
قرفان
في النهاية مفيش موضوع الأجندات اياه
اللي أدهشني في موقف صديقي بأه تاني يوم هو انه تغير رأيه تماماً
ففوجئت بيه داخل عليا المكتب "بصفتي من مجلس قيادة الثورة زي ما اتفقنا"
و قاعد بيحكي عن التحرير و اللي حصل فيه 
الله ده في ناس بتغير رأيها أهو طيب لسه في أمل. يا مسهل
بمجرد رجوعنا يوم التلات 25 لبيوتنا وجدنا الدعوات بدأت تشتغل لجمعة الغضب
وكان عندي تخوف من ان الناس متنزلش تاني بعد الطريقة الوحشية اللي البوليس فض بيها ميدان التحرير يوم التلات لكن في نفس الوقت كان عندي أمل لما بدأت أشوف موقف الناس بيتغير بعد يوم التلات
و كانت الفكرة ان المظاهرات لازم تفضل مستمرة يوم الأربعاء و الخميس عشان نوصل للجمعه و الناس ماتنامش
بس مين المجنون اللي هيفضل مستمر في مظاهرات الأربعاء و الخميس
مجانين ...مجانين ....مجانيين
الله حبايبي بتوع وسط البلد 
نقابة الصحفيين و المحاميين
و مخيبوش ظني
يوم الاربعاء بالليل نزلت وصاحبي اللي كان معترض عشان المظاهرات بدون قائد ثم تحول موقفه من قمة التحفظ للإنتحارية
قررنا اننا ننزل نشوف الناس اللي في النقابة بيحصل معاهم ايه
وكان التعامل في قمة الوحشية
مجموعة ناس ملمومين في النقابة و حواليهم الأمن المركزي من كل ناحية
ضرب رصاص و قنابل مسيلة للدموع و كل أنواع القمع و القهر و الإعتقالات العشوائية
وكان من أكثر الهتافات اللي بتأثر فيا اليوم ده هو الهتاف اللي كنا احنا بنردده يوم 25 يناير
1-2 الشعب المصري فين
ويا أهالينا يا أهالينا ....يا أهالينا انضموا لينا
وكان من أهداف نزولنا في اليوم ده أنا وصديقي و صديق ثالث لنا هو كسر حدة الخوف
فعسكري الأمن المركزي له هيبة برضه
ببدلته السوده و دروعه و العصاية اللي في ايده ....وغباؤه
و بدأنا نسير في شوارع وسط البلد التي "كانت جميلة" و نبدأ في مناوشة العساكر لكسر الحاجز النفسي
فمثلاً نمر من بين عربات الأمن المركزي و نقول للعساكر
الضرب في الميت حرام
أو خف ايدك علينا يوم الجمعة يا دفعه
ولكي أوضح لكم مدى التغير الذي أحدثته أحداث 25يناير في توجهات وأراء الناس
فقد كان صديقي معترض الأمس من التهور لدرجة أني سحبته من قدام لواء أمن مركزي كان "بيقلع الساعة" و هيعمل معاه أحلى واجب وهو يمارس هوايته في مناوشة إحدى عساكر الأمن المركزي
وفي نهاية اليوم قررنا اننا نرجع بيتنا عشان ميتقبضش علينا ونختفي من غير ما حد يسمع عنا
لكن صديقي المتهور كان له رأي أخر.....
-"يا أحمد(صديقي المتهور) انت بتهرج"


- "ايه ده انت ايه اللي جابك هنا؟؟؟"


- "بيقولك اللي هينزل بكره مش هيترحم"


- "انا محبط و مكتئب و حاسس اني في جزيرة معزولة"

- "بالمنظر ده مفيش حاجة هتحصل"

-"عاوز زجاجة 2 لتر لو سمحت" 

- " أه ياولاد ال........." 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق